للنبل ثمن يجب أن يُدفع

أيام الألم تمربطيئة ورتيبة ، الحياه فيها تكر بهدوء ، حركتها ثقيلة وبلا صوت، العالم بشكله الحالى أكثر بشاعة عما كان يتصوره السابقون ، قرأت ذات مرة جملة كُتبت على حائط منزل مهدم لم تفارق ذهنى من وقتها، حُفرت فى ذاكرتى فى مكان ما بعيدا عن متناول النسيان، الجملة كانت " كن جيداً ..وستبقى وحـيداً "
وقتها فكرت بمن كتب هذه المقولة ، تُرى ماذا مصيره الآن.. هل هو حى أم ميت ، كيف كان حاله عندما كتب ذلك ، بكل الأحوال فكرت أنه كان شخصاً طيباً ، تجرع مر الحياه وغادرها بصمت، فهكذا هو مصير الطيبون ، كل إنسان فيهم هو عالم مغلق لا يعلم أسراره إلا هو ، فرحه يبهج الآخرين ، وداءه أكثره دفين.
 لم تكن بدايتهم قاتمة كتلك الصورة التى أرسمها لك بالطبع.. بل بالعكس تماما ، فهم قد أقرضوا الدنيا أزهى السنون التى ملكوها فى سبيل تغير هذا العالم وجعله أفضل،منحوا الأشياء قيمتها..لا لما تمثله ..بل لما تعنيه،  بلغوا الحقيقة فأهلكتهم،  وبالتأكيد كانوا أحراراً حتى ولو بداخلهم فقط ، قرأوا وضحكوا وسهروا وغنوا وأحبوا وتمردوا ..تلاشت الحدود التى تفصل الواقع والحلم أمامهم، وشُبه لهم أن روح الإنسان قادرة إنجاز اى شيئ،  وكلما تفتحت عقولهم وقلوبهم كلما أزاحت حدود الحقيقة أكثر وأكثر ، حتى إعتصرتهم فملأت قلوبهم الماً وفاضت، الى أن  إلتهبت إرادتهم وأرخت سدولها وإستسلمت للواقع القبيح وأهله ، لعجزهم عن التلائم معه ، فهم أصبحوا أكثر نقاء من أن يستمتعوا بكل هذا القبح المحيط بهم ، أنه شيئ مثل حظ المبتدئ الذى يلعب الروليت، فى البداية تعطيه اللعبة وكأنها ستستمر فى إرباحه للأبد..ثم ما تلبث وتدير ظهرها له  أو أن يصبح اسيرها ووقتها سيغدوا مثل أى سافل من الذين كرههم..

هكذا هى الحياه ايها الغريب ، وهكذا هم الطيبون فيها ،  فبعدما كنت ترى فيهم تجسيد لها ، اصبحوا الآن خير صديق لآلامهم ، لصمتهم ، لعزلتهم،  لجدران غرفتهم ، وبينما كل الحمقى والفاسدين والسفلة  يملأون الشوراع ضجيجاً هاتكين عرض الشوارع ذهاباً وإياباً، بقى الطيبون مع أنفسهم يشيخون يوماً بعد يوم ، ضحكاتهم قليلة ، ودموعهم وافرة ، يحتفلون همساً ، ويسكرون همساً ، ويعشقون همساً.. ولكن صدقاً أقول لك همساً  " كن جيداً .. وستجد من يشبهك"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ربما نلتقي

دعينا نزيح الستار