المشاركات

عرض المشاركات من نوفمبر, 2024

باب فى فصل الجيش عن السياسة

 واعلم أن الشعوب أوجدت جيوشها لتحرسها، لا لتحكمها.  وأن ما من أمة ساسها جيشها إلا أَهلكَت، وهلكت.  فالجيوش تُساس، لا تسوس.  وما اعتاد الجُند إلا الأمر والطاعة، لا التفكير والتدبير.  وليس على الجُند في ذلك حرج، فكلٌ ميسر لما هو أهل له. وليس في ذلك نقصان فيهم ولا انتقاص منهم، ولا شك في محبتهم لبلدانهم، ولا في محاسن مقاصدهم ونواياهم.  فالجند غايتهم الموت لا الحياة. وهم يسوسون أرواحهم وأبدانهم إلى التضحية في سبيل شعوبهم وأوطانهم.  فغاية الموت لديهم نبيلة المقصد، لكن نبلها لا يستقيم مع غاية الحياة، وإن استقام استثناءً، فإن الاستثناء يعود إلى قانونه، بزوال ظرفه، وبطلان حجته. ثم اعلم أن الجيوش إذا اقتربت من الحكم فسدت وأفسدت.  وأنها إذا تولته انحرفت عن مهمتها، فأفسدتها، وأفسدت الغاية من الحكم، وهي تدبير أمور الناس، بما يسعدهم ويؤمّنهم. والجند لا طاقة لهم، ولا علم، بأمور السياسة والحكم. وهم عالمون ببواطن الصحارى والتلال والهضاب وصنوف الأسلحة وأعمالها وإعمالها، لكنهم قليلو معرفة بدهاليز السياسة وألاعيبها وسراديبها.  ولو أن قائلا قال، متبصرا، إن جنديا ...