تحرش تحت الغاز

كنت قد تركت الميدان وذهبت للمنزل بعد يومين متواصلين أصابنى فيهما التعب وتملك من جسدى الارهاق التام بسبب الكر والفر واستنشاق الغاز اللعين وتفادى طلقات الخرطوش التى تخرج من فوهات عساكر الامن الموجودة على مشارف الميدان .. فأصابنى التعب من الاشتباكات عامتا والتى قد بدأت فى يوم احياء ذكرى أطهر الشهداء وأغلى العيون ذكرى أحداث شارع محمد محمود (عيون الحرية ) والتى لولا  هذه الدماء التى سالت (ومازالت تسيل ) ماتم تحديد موعد انتخبات رئاسية أو موعد تسليم سلطة من مجلس العسكر الذى شرزم ثورتنا وجعل الكل يكفر بها .

ومن عاداتى بمجرد وصولى للميدان أن أذهب أولا دون تلكع الى شارع محمد محمود . كى القى النظرة الاولى وعليه وكأنى احييه  .. وبعد التزاحم واختراق الجموع وصلت اليه فوجدت الاشتباكات كما تركتها مازالت مستمرة عند مدخل شارع يوسف الجندى ومرسة الليسيه ومازالت عساكر الامن متمركزة داخل المدرسة   (التى تحولت من منبرا للعلم الى جبهة لااطلااق الذخائر )  وتطلق بين الحين والاخر ما تيسر لها من قنابل غاز وطلقات خرطوش وبعض الحجارة وأيضا مولوتوف ..نعم والله مولوتوف ..كل ذلك فى اتجاه الشباب الغاضب الذى الذى على ما فيه من اندفاع ايضا يتم استفزازه فالغضب متراكم عند الشباب بسبب فقدان أحبتهم فى هذا الشارع ولم يطبق القصاص العادل على من قتلهم رغم مرور عام على الحدث ورغم تصوير الجناة وهم يقتنصون أغلى العيون لم يتم اصدار حكم عليهم حتى الان .. فما بالك عندما يتم استفزازهم ايضا فى يوم احياء ذكراهم ..ضع نفسك مكانهم وقل لنفسك ماذا كنت سأفعل اذا فقدت أخى أو صاحبى أورفيق ميدان أو أو .. ولم آخذ حقه ومن قتله يتنعم بزيادة الرواتب بل ويأتى لاستفزازى فى موعد احياء ذكراه .... انتا تعرف الاجابة

كان الميدان يكتظ بكل الفئات من الشعب باختلاف ايدولوجياتهم وتوجهاتهم السياسية  ولما لا وقد صدر اعلان دكتاتورى جرد الشعب من رأيه التى دافع عنه بالدم . فاجتمع من فى الميدان على الهدف ونسوا بعض الشيئ اختلاافهم فيما بينهم .. وكانت الاشتباكات أيضا على أوجها فى الجانب الاخر شارع القصر العينى فذهبت الى مقدمة الصفوف هناك لالقى نظرة لاكتشاف هل حدث تغير فى كيبفية الاشباكات أم  انها كما هى منذ أن تركتها يوم واحد .. فلم الاحظ سوى زيادة الحدة فى التعامل من جانب قوات الامن تجاه المتظاهرين .. الذين لا تخلو صفوفهم أيضا من بعض راغبى العنف والباحثين عن الجموح .

وكنت على موعد مع زميل فى العمل  كى نتفابل فى الميدان فأخذت فى التجوال فى جوانب الميدان حتى اتى ..ومع قدوم الليل .. لفت أنظار الجميع حالة الهرج والمرج والتدافع والالتفاف حول شيئ ما على يسار مدخل محمدمحمود من الميدان فذهبت الى هناك رغم محاولة صديقى منعى فوجدت الفوضى بسبب ما ظننت أنه هو انها حالة تحرش من أحد المعاتيه المرضى  بفتاه فى العشرينيات من العمر ولا أعرف ان كانت الجموع التى حولها تحميها أم حاميها حراميها فدفعنى قبح المنظر الى اقتحام الجموع رغم محاولة زميلى منعى فرفضت فائلا له كلنا عندنا بنات حرام .. وأمام اصرارى تبعنى الى مكان التدافع وعندما وصلت أخذت فى الصياح فيمن حولى بأنه يجب أن نحميها ونخرها من هنا فاستجاب البعض ولكن أمام الحشود لم نفلح فدفعنا الغيظ الى خلع الاحزمة والتهويش بها أولا والضرب بها لااحقا ومن معى لمحاولة عامل حائط صد لمن يكتلكه الفضول فالزحام يكاد يقضى على الفتاه ولكن ينجح الامر لبرهة من الزمن ويفشل أمام التدافع الشديد فخطرت لى فكرة فتحدثت الى رجل بجانبى   بأن يأتى معى لنجلب عربة اسعاف وننتشل بها الفتاه من هذه الامواج البشرية فوافق بحماس فأخذنا فى الجرى الى مكان تجمع الاسعاف عند مسجد عمر مكرم وشرحنا الموقف لهم فى عجالة فرفضوا فى البداية خوفا من تكسير العربة على حسب كلامه فغضبنا جدا فسمح المشرف لنا فركبنا مع العربة وذهبنا الى مكان التزاحم وكان الوضع قد وصل ذروته فقد جردت تماما من ملاابسها فأمتلكنى الغيظ أنا ومن معى وصرخنا فى الجموع بأن يساعدونا كى ننقذ الفتاه فتشجعوا على ذلك وبعد ضرب بالاحزمة وصراخ وتدافغ نجحنا فى ادخالها عربة الاسعاف ولكن مازال هناك بعض العبثين بعنف على العربة حتى لقد تم خلع باب العربة عن موضعه فوقفنا مكان باب العربة  أنا والرجل الذى معى وجاء آخر للمساعدة  وأخذنا فى التهويش بل والضرب بالاحزمة التى فى ايدينا وصرخنا فى السائق بأن ينطلق الى المستشفى وكان يمشى ببطئ فى وسط الجموع التى موجودة فى الميدان حتى وصل الى شارع طلعت حرب فوجدنا بعض  الموتوسيكلات (الصينى) التى تتبعنا كانت ثلاثة وكلا منها يعتليها ثلاثة شباب ذوى التسريحات الغريبة والاسلوب المتذل بخلاف من تعلق بالعربة من الخلف كى يشاهد الفتاه التى ألقيت عليها رداء كنت ألبسه (سيويه تي شيرت ) فطلبنا من السائق ألا يتوقف فأستمر فى المشى مسرعا حتى يأس من كانوا فى أثرنا ونزل الاخرين عند بطئ العربة بسبب التزاحم المرورى فقال السائق بعد فترة من المشى سأذهب الى مستشفى الحسين .. فرفضت الفتاه وقلت انها تريد فقط الذهاب الى المنزل وكانت فى حالة انهيار جراء ما حدث لها فقال السائق انه يجب عليه أن يستأذن المشرف فكلمه عبر جهاز اللاسلكى فرفض المشرف فطلب منه السائق أن يحدثه على الموبايل ودار حديث طويل ونحن نسير حتى طلبنا من السائق بأن يركن بجانب الطريق كى ترتدى الفتاه الثياب التى أعطاها من كانوا موجودين فقد كان أحد الحاضرين يلبس رداء تحت بنطاله (كلسون) مما سمح له باعطاء الفتاه بنطاله .. ولكن فى ظل وقفتنا لارتداء الفتاه ملاابسها وذهاب سائق الاسعاف جانبا وهو يتحدث مع المشرف كى يقنعه بالسماح له بتوصيل الفتاه الى منزلها وكنا نحن نقف مع المسعف نتناقش على ما حدث  حتى فوجئنا بنزول أحدهم من عربة شاهين أخذت أرقامها فيما بعد متوجها ناحية عربة الاسعاف وبمجرد النظر اليه تلاحظ قوة البنيان العضلى والجسمانى له فأتجهنا ناحيته خاصتا بعدما أختلس نظرة يملاءها المكر الى داخل عربة الاسعاف التى ترتدى الفتاه ملاابسها فى داخلها .. وعندما اتجهنا اليه كان قد هم بالعودة الى السيارة التى كان جالس فيها فى مكان معتم بعض الشيئ

فتراجعنا .. ووقفنا كما كنا .. ولكن حدث ما كنت أتوجس منه فى خاطرى فقد عاد الشاب ومعه زملاءه الذين يشبهونه الى حد كبير فى ضحامة الجسم  فاتجهنا نحوهم وكان المسعفين فى المقدمة فحدث نقاش عن ماهية هذه الفتاه وما الذى أتى بها معنا ولما نحن منظرون واشياء من هذا القبيل  فتطور النقاش حتى فتح أحدهم باب عربة الاسعاف على الفتاه . فاغتظنا من هذا الفعل وعندما هممنا باعتراضه تشابكت الايدى وبعدها كان النصيب الاكبر من الضرب للمسعفين الذين لا حول لهم ولا قوة أمام ثلاثة ضخام البنية ويبدو سلوكهم اجرامى بعض الشيئ وامام هذا الهرج والمرج وقفت أنا امام باب العربة وطالنى ما طالنى ولكن لا يذكر مقارنة بما حدث مع الاخرين فحاولت التهدئة والفصل بينهم وصحت فى المسعفين بأن يركبوا السيارة ونذهب من أمام هؤلاء وقد حدث بصعوبة بعض الشيئ ولكن فجأة وجدنا هؤلاء الاشخاص فى سيارتهم ماركة شاهين بيضاء 142 قمع .. فى أثرنا ومسرعين فزاد السائق السرعة وأشرنا عليه بأن يتوجه الى القسم وظلت المطاردة دائرة حتى توقفنا فجأة أمام باب قسم أول مدينة نصر وأحذنا فى الصياح على أفراد الامن الواقفين أمام القسم لحثهم على ايقاف العربة ولكن لا حياة لمن تنادى .. فتوقفنا والتم أفراد الامن حولنا وبعض الظباط من وقت لاخر .. وبدأت الاسئلة المريبة  من الظباط لمدة ساعتين تقريبا كانت الفتاه قد استفاقت بعض الشيئ من صدمتها وبدأت تتحدث عما حدث معها لتبرئة ساحتنا وأيضا كى تقطع الطريق على تلك النظرات المختلسة والمحتلطة بالشكوك من الظباط وأفراد الامن .. وبعد فترة قرروا أن يرسلوا سيارة شرطة لتأمين الاسعاف احتياطا اذا ما فكر أحد فى التعرض لنا مرة أحرى وذهبنا عنوان ثم عنوان آحر فالفتاه لم تكن تريد أن تذهب الى منزلها خوفا من الالسنة التى ستطالها بسوء .. ولكن فى النهاية وصلنا منزلها وانتظرنا انا والشاب وقوات الامن فى انتظار الظابط الذى صعد معها هو وفردين أمن لمسكنها لماذا ننتظر .؟ ننتظر ملاابسنا ..التى ترتديها الفتاه  . وبعد أخذ الملاابس عدنا مع سيارة الاسعاف الى أقرب مكان واستقللنا حافلة وعدنا للميدان مرة اخرى ... ولكن الصدمة التى انتابتنى من هذا الموقف استمرت معى قرابة الاسبوع كلما نظرت لشخص  انظر اليه من نظارة أخلااقية وكأنى أختبره .. وفقدت الثقة بعض الشيئ من هذا الواقع المؤلم الذى أصبحنا نعيش فيه .. أهذا ما وصلنا اليه .لا أعرف تحديا أسباب التحرش هل هو حقد طبقى أو مرض ما يحمله المتحرش أو أو ......لماذا ولائ شيئ نحن فى اصرار دائما أن نجعل بأسنا فيما بيننا فعدونا معروف سواء سلطة غاشمة أو عدو خارجى يتغول بسبب ضعفنا  أو أشياء مثل الجهل والفقر والمرض الخ قائمة تطول لا تتوقف .. نحن نكسر دائما أى قواعد وضعت للبشرية للتعامل فيما بينها .. بل نحن كسرنا النظريات التى تنظر للمجتمع ككل .. مثلا سارتر عندما قال أن المدنية والتقدم الحضارى دائما ما يحمل فى طياته الفساد الاخلااقى .. وانا أسأل اين هذه الحضارة واين التمدن اين نحن من هذا العالم الذى اصبح يدار بضغطة زر .. عندما نجد الجواب سنكون عرفنا ماهيتنا ووظيفتنا فى الحياه سنجد الطريق الذى سلكته الدول التى نضرب بها الامثلة فى التقدم والرقى واحترام الانسان واحترام الانسان .. فاذا أردت أن تبنى حضارة فابدأ بالانسان .وهذا أول الطريق واساس البناء .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ربما نلتقي

دعينا نزيح الستار